التصحيح الأكبر
وظلت هذه المقترحات في الأضابير إلى أن جاء عام 1994 حينما صدر الدستور المؤقت الانتقالي الذي قرر نظاماً تعليمياً جديداً. وهكذا استمرت التطورات في حقل التعليم إلى أن تسلم الرجل الأسود مقاليد حكم بلاده، وأدخلت تعديلات كثيرة لإصلاح نظام التعليم في البلاد، وإن كان تطبيقها ما زال يسير ببطء، لأن «المجتمع العنصري» الذي سادت قوانينه وتقاليده سنوات طويلة ما زال يرسم -حتى الآن- بآثاره خطوط العلاقات بين البيض، والسود والملونين والآسيويين في جنوب أفريقيا.
وقد كان الزعيم الأفريقي «نيلسون مانديلا» الذي أصبح رئيساً للبلاد بعد انتهاء فترة الحكم العنصري على حق حين قال: «لقد أوجدت سياسة «الأبرتاييد» العنصرية جراحاً غائرة مستديمة في شعبي، وسنقضي سنوات عديدة إن لم يكن أجيالاً لنُشفى منها».
الحزب الوطني «الأبيض» !
استمر حكم الحزب الوطني «الأبيض» لفترة طويلة، حيث بدأ منذ عام 1948م وانتهى في التسعينيات من القرن العشرين الميلادي، حيث سيطر فيها حزب الأفريكانيين، وظهرت سياسة الفصل العنصري منذ عام 1950م حين ظهر قانون التسجيل السكاني، الذي يمنح السكان مدارس، وجامعات ومناطق سكنية وخدمات عامة لكل مجموعة سكانية عنصرية.
اشتد الاحتجاج على سياسة الفصل العنصري منذ نهاية خمسينيات القرن العشرين، حيث طُولب السود بضرورة حمل بطاقاتهم الشخصية من أجل الحد من تحركاتهم. وفي عام 1960م ظهر شعور ضد سياسة التمييز، وقامت المظاهرات، وأطلقت الشرطة الرصاص على المتظاهرين، فقتلت حوالي 69 من السود.
قامت الحكومة بحظر نشاط حزب المؤتمر الأفريقي، وظلت الحكومات المتعاقبة في الفترة من عام 1960-1990م تضرب بيد من حديد كل المعارضين لسياسة التمييز العنصري. وفي السبعينيات، والثمانينيات من القرن العشرين ألغت الحكومة بعض قوانين التمييز العنصري، واعتمدت البلاد دستوراً جديداً عام 1984م، لكن الدستور الجديد لم يمنح السود أي حقوق سياسية، مما أدى إلى أعمال العنف في مدن السود.
وبعد تنحي الرئيس بوتا عن الحكم لمرضه اختير دي كليرك خلفاً له في سبتمبر عام 1989م. وفي ظل حكومة دي كليرك أسرعت الحكومة نحو الإصلاحات السياسية، فرفعت الحظر عن حزب المؤتمر الأفريقي، وأطلقت سراح بعض السجناء السياسيين ومنهم نيلسون مانديلا. وبدأت الحكومة الحوار مع أحزاب المعارضة حول مستقبل البلاد. وفي عام 1991م أعلن دي كليرك عزمه على إلغاء ما تبقى من قوانين الفصل العنصري. ففُتحت المدارس لجميع الأجناس، وكذلك أنواع الرياضات المختلفة. كما أعلن دي كليرك عن تكوين حكومة متعددة الأعراق، وعن حق جميع الأعراق في التصويت.
وقد أجربت بالفعل لأول مرة انتخابات حرة في شهر مايو 1994م اشترك فيها البيض والسود، وفاز فيها نيلسون مانديلا ليصبح أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا التي ظلت خاضعة للفصل العنصري لمدة ثلاثة قرون.
نيلسون مانديلا و الأبارتيد
ولد نيلسون روليلالا مانديلا في منطقة ترانسكاي في أفريقيا الجنوبية ( 18 تموز - يوليو 1918). وكان والده رئيس قبيلة، وقد توفي عندما كان نيلسون لا يزال صغيرا، إلا انه انتخب مكان والده، وبدأ إعداده لتولي المنصب.
تلقى دروسه الابتدائية في مدرسة داخلية عام 1930، ثم بدأ الإعداد لنيل البكالوريوس من جامعة فورت هار. ولكنه فصل من الجامعة، مع رفيقه اوليفر تامبو، عام 1940 بتهمة الاشتراك في إضراب طلابي.و من المعروف إن مانديلا عاش فترة دراسية مضطربة و تنقل بين العديد من الجامعات و لقد تابع مانديلا الدراسة بالمراسلة من مدينة جوهانسبورغ، وحصل على الإجازة ثم تسجل لدراسة الحقوق في جامعه ويتواتر ساند.
كانت جنوب أفريقيا خاضعة لحكم يقوم على التمييز العنصري الشامل، إذ لم يكن يحق للسود الانتخاب ولا المشاركة في الحياة السياسية أو إجارة شؤون البلاد. بل أكثر من ذلك كان يحق لحكومة الأقلية البيضاء أن تجردهم من ممتلكاتهم أو أن تنقلهم من مقاطعة إلى مقاطعة، مع كل ما يعني ذلك لشعب (معظمه قبلي) من انتهاك للمقدسات وحرمان من حق العيش على ارض الآباء والأجداد والى جانب الأهل وأبناء النسب الواحد.
أحس مانديلا وهو يتابع دروسه الجامعية بمعاناة شعبه فانتمى إلى حزب " المجلس الوطني الأفريقي" المعارض للتمييز العنصري سنة 1944، وفي نفس السنة ساعد في إنشاء "اتحاد الشبيبة" التابع للحزب، وأشرف على إنجاز "خطة التحرك"، وهي بمثابة برنامج عمل لاتحاد الشبيبة ، وقد تبناها الحزب سنة 1949.
سنة 1952 بدأ الحزب ما عرف ب "حملة التحدي"، وكان مانديلا مشرفا مباشرا على هذه الحملة، فجاب البلاد كلها محرضا الناس على مقاومة قوانين التمييز العنصري، خاطبا ومنظما المظاهرات والاحتجاجات. فصدر ضده حكم بالسجن مع عدم التنفيذ. ولكن الحكومة اتخذت قرارا بمنعه من مغادرة جوهانسبورغ لمدة ستة أشهر. وقد أمضى تلك الفترة في إعداد "الخطة ميم"، وبموجبها تم تحويل فروع الحزب إلى خلايا للمقاومة السرية.
عام 1952 افتتح مانديلا مع رفيقه أوليفر تامبو أول مكتب محاماة للسود في جنوب أفريقيا، وخلال تلك السنة صار رئيس الحزب في منطقة الترانسفال، ونائب الرئيس العام في جنوب أفريقيا كلها. وقد زادته ممارسة المحاماة عنادا وتصلبا في مواقفه، إذ سمحت له بالاطلاع مباشرة على المظالم التي كانت ترتكب ضد أبناء الشعب الضعفاء، وفي الوقت نفسه على فساد وانحياز الســلطات التنفيذية والقضائية، بشكل كان معه حصـول مواطن اسود على حقوقه نوعا من المستحيل.
قدمت نقابة المحامين اعتراضا على السماح لمكتب مانديلا للمحاماة بالعمل، ولكن المحكمة العليا ردت الاعتراض. ولكن حياة مانديلا لم تعرف الهدوء منذ تلك الساعة. فبعد سلسلة من الضغوطات الرسمية والبوليسية اضطر مانديلا إلى الإعلان رسميا عن تخليه عن كافة مناصبه في الحزب، ولكن ذلك لم يمنع الحكومة من إدراج اسمه ضمن لائحة المتهمين بالخيانة العظمى في نهاية الخمسينات. وقد تولى هو و دوما نوكوي الدفاع ونجحا في إثبات براءة المتهمين.
بعد مجزرة شاربفيل التي راح ضحيتها عدد كبير من السود عام 1960، وحظر كافة نشاطات حزب "المجلس الوطني الأفريقي"، اعتقل مانديلا حتى 1961 . وبعد الإفراج عنه قاد المقاومة السرية التي كانت تدعو إلى ضرورة التوافق على ميثاق وطني جديد يعطي السود حقوقهم السياسية.
وفي العام نفسه أنشأ مانديلا وقاد ما عرف بالجناح العسكري للحزب الذي قام بأعمال تخريبية ضد مؤسسات حكومية واقتصادية.
في 1962 غادر مانديلا إلى الجزائر للتدرب العسكري ولترتيب دورات تدريبية لأفراد الجناح العسكري في الحزب.
عند عودته إلى جنوب أفريقيا(1962) القي القبض عليه بتهمة مغادرة البلاد بطريقة غير قانونية، والتحريض على الإضرابات وأعمال العنف. وقد تولى الدفاع عن نفسه بنفسه، ولكن المحكمة أدانته بالتهم الموجهة إليه وحكمت عليه بالسجن مدة 5 سنوات. وفيما هو يمضي عقوبته بدأت محاكمة "ريفونيا" التي ورد اسمه فيها، فحكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة القيام بأعمال التخريب.
كان مانديلا قبل عشرات السنين من سجنه قد أبدى رأيه في إن التربية يجب ألا تقتصر على "الصفوف" و "قاعات المحاضرات"، إنما على الناشطين الحزبيين أن يحولوا كل بيت وكوخ وحديقة إلى مدرسة أو مركز لبث الوعي الوطني.
وهكذا تحولت جزيرة "روبن" التي سجن فيها مانديلا إلى مركز للتعليم، وصار هو الرمز في سائر صفوف التربية السياسية التي انتشرت في طول البلاد وعرضها .
لم يغير مانديلا مواقفه وهو داخل السجن، بل ثبت عليها كلها، وكان مصدرا لتقوية عزائم سواه من المسجونين وتشديد هممهم. وفي السبعينات رفض عرضا بالإفراج عنه إذا قبل بان يعود إلى قبيلته في رنسكاي وان يخلد إلى الهدوء والسكينة. كما رفض عرضا آخر بالإفراج عنه في الثمانينات مقابل إعلانه رفض العنف.
ولكنه بعد الإفراج عنه يوم الأحد 11 شباط فبراير 1990 أعلن وقف الصراع المسلح وبدأ سلسلة مفاوضات أدت إلى إقرار دستور جديد في البرلمان في نهاية 1993 ، معتمدا مبدأ حكم الأكثرية وسامحا للسود بالتصويت.و لقد منح مانديلا جائزة نوبل و العديد من شهادات الشرف الجامعية (1993).
وقد جرت أولى الانتخابات في 27 نيسان (أبريل) 1994 وأدت إلى فوز مانديلا فاقسم اليمين الدستورية في 10 أيار (مايو) متوليا الحكم. إلا انه أعلن عن رغبته في التقاعد عام (1999).
لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري
دخلت الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (اتفاقية القضاء على التمييز العنصري) حيز التنفيذ عام 1969.
وتُلزم اتفاقية القضاء على التمييز العنصري هذه الدول الأطراف بتغيير قوانينها وسياساتها الوطنية التي تؤدي إلى إقامة التمييز العنصري أو إدامته, وتهدف, بين جملة أشياء, إلى تعزيز المساواة بين الأعراق, التي تتيح للجماعات الإثنية المختلفة أن تتمتع بالتنمية الاجتماعية على قدم المساواة.
وبحسب اتفاقية القضاء على التمييز العنصري, يُعرَّف التمييز العنصري على أنه:
"أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها, على قدم المساواة, في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة" (المادة 1).
وتتعهد الدول الأطراف في الاتفاقية بحماية الأشخاص الذين يواجهون التمييز على أيدي أفراد خاصين, وكذلك من جانب موظفي الدولة. وتعترف المادة 5 لكل إنسان بـ "الحق في معاملة على قدم المساواة أمام المحاكم وجميع الهيئات الأخرى التي تتولى إقامة العدل", وكذلك بـ "الحق في الأمن على شخصه وفي حماية الدولة له من أي عنف أو أذى بدني, يصدر سواء عن موظفين رسميين أو عن أية جماعة أو مؤسسة".
لجنة القضاء على التمييز العنصري
تُنشئ المادة 8 لجنة للقضاء على التمييز العنصري تتألف من 18 خبيراً "من ذوي الخصال الخلقية الرفيعة المشهود لهم بالتجرد والنـزاهة". وينتخب الخبراء بالاقتراع السري لولاية مدتها أربع سنوات, ويتعين أن يكونوا من مواطني الدول الأطراف في الاتفاقية. ويتمتعون بالأهلية لأن يعاد انتخابهم.
وتعقد لجنة القضاء على التمييز العنصري جلستين في العام, في شهري مارس/آذار وأغسطس/آب, في جنيف. ويقوم على خدمتها مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في جنيف.
التقارير الدورية
الحكومات التي صادقت على الاتفاقية ملزمة بتقديم تقارير شاملة إلى لجنة القضاء على التمييز العنصري مرة كل أربع سنوات وتقارير تحديث موجزة مرة كل سنتين بشأن تنفيذها للاتفاقية. وتنظر في هذه التقارير لجنة القضاء على التمييز العنصري.
النظر في وضع قطر ما من دون تقرير
في حالة كون البلد متخلفاً عن تقديم تقريره الدوري بشكل خطير, اعتمدت لجنة القضاء على التمييز العنصري إجراء للنظر في أوضاع حقوق الإنسان في البلد في غياب التقرير المطلوب. حيث تخطَر الحكومة المعنية باعتزام اللجنة النظر في أوضاع البلد وتدعوها إلى تقديم تقريرها في وقت يتلاءم مع موعد الجلسة. وإذا ما امتنعت الحكومة عن ذلك, تنتقل اللجنة إلى النظر في البلد المعني على أساس المعلومات المتوافرة من مصادر مختلفة, بما في ذلك الهيئات الأخرى للأمم المتحدة ووكالاتها, والمنظمات غير الحكومية. وتتم عملية النظر هذه في العلن, وينطبق هذا كذلك على الاستخلاصات والتوصيات
............... يتع.....................////